عبد الإله بنهدار (حفل تقديم كتاب المسرح الفردي في سلا، 1 أغسطس 2015)
كم يَـسعـد المرء حين يفاجئه خبر أو إعلان بصدور كتاب هادف أو توقيع لشخصية مكابدة تركت بصمتها في فن من الفنون على أرض هذا البلد!
وكم يسعَـد المثقفون الذين يكابدون ويجاهدون في سبيل إعلاء كلمة الفن والأدب والفرجة عاليا.. في زمن كثرت فيها الادعاءات والصيحات.. وتكالب فيه الأدعياء من كل حدب وصوب، وساعدتهم على تكالبهم هذا تلك الثورة الإعلامية الرقمية الجارفة، فأصيبت فيه الغالبية العظمى من المثقفين والفنانين بعمى الألوان!
وغدا فيه الفنانون الأصلاء مثل “أبناء القمر”، أولئك الناس الذين حكمت عليهم ظروفهم الصحية بتجنب التعرض حتى إلى أصغر كمية من أشعة الشمس، ففضلوا الانزواء والخلود إلى الوحدة أو العزلة.
نعم..! كثيرة هي الأقلام التي جفّ مدادها، واستعصت عليها الكتابة الجادة، لأنها لم تتعود على السباحة في المياه الراكدة. وكُـثْـرٌ هم المبدعون الذين فضلوا الصمت أمام هذا السيل الجارف من وسائل التكنولوجيا التي بقدر ما حملته من خير لا ينكره أحد، بقدر ما أصبحت شرا لا بدّ منه ولا تخطئه عين أو مسامع أحد.
لقد ابتعد الكثيرون منهم عن الساحة الفنية، بعدما كثرة كتابات المسخ الفني والضحالة الفكرية… وكأني بالأستاذ الطاهر الطويل يعالج الداء بالداء؛ فإذا كان الداء الأول سلبيا، لأنه يؤدي إلى الموت، فإن الداء الثاني إيجابي يؤدي إلى الحياة، حياة الفكر والروح معاً؛ إنه داء القراءة والبحث واسترجاع أمجاد الماضي الجميل مع فنانين عصاميين مجدين ومجتهدين من طينة المبدع عبد الحق الزروالي.
ماذا أقول عن صحافي مثقف، منذ تعرّفتُ عليه في جريدة “الميثاق الوطني” ذات يوم، وهو لا يألو جهدا في تشجيع كل مَـن لمس فيهم ذرة من بذرة إبداع، أو شيمة من شيم المبدعين. كم من فنان وكمن مبدع بعد تناوله قلم الأستاذ الطاهر الطويل دراسة ونقدا وشرحا وتحليلا في مختلف المنابر الإعلامية وطنياً وعربياً… صحافي مثقف أعتز بمعرفته وأفتخر بصداقته.. اسمه ولقبه دالان عليه.. الطاهر لأنه طاهر الخصال، كريم الأخلاق.. الطويل ليس قامة، وإنما فكراً وبحثاً ورصانةً في الأسلوب ودلالة وفحوى واضحا وجليا في المكتوب.
نعم.. !هو الطويل بجدّه واجتهاده، فهو مثل الشجرة السامقة المثمرة التي ينتفع من غـلّـتها الجميع.
وماذا تراني أقول في حق صحافي مثقف ومسرحي، مُـذْ عرفته، حين كنت طالباً في المرحلة الثانوية والجامعية وأنا أتابع إبداعاته وإنتاجاته المسرحية، ككل أقراني، بشغف.. !سواء على خشبة المسارح المغربية، أو عبر كتاباته في مختلف الجرائد والمجلات المغربية والعربية، وخصوصاً على صفحات جريدة “العَـلَـم” لمّا كان صحافيا ومحررا بها.. أتحدث بالطبع عن الفنان المسرحي عبد الحق الزروالي.
الطاهر الطويل وعبد الحق الزروالي.. نجمةٌ تُجاور قمراً!
تلك هي الصورة التي يمكن أن أشـبّـه بها مؤلف كتاب “المسرح الفردي في الوطن العربي، مسرح عبد الحق الزروالي نموذجا” والصادر ضمن منشورات الهيئة العربية للمسرح، وأعني به بالطبع الأستاذ والصحافي والناقد والأديب الطاهر الطويل.
كما أشبّه بها المعني الأول والأخير بهذا الكتاب والذي لا يمكن أن نتحدث عن المسرح في العالم العربي، والمسرح الفردي خصوصاً، دون أن نذكر اسمه أو نكتبه بأحرف بارزة. له ما يزيد عن 32 مسرحية فردية؛ أكيد أنكم تعرفونه: إنه عبد الحق الزروالي.
فما أروعها من نجمة تتلألأ في ظلمة هذا الليل العربي الدامس!
وما أروعه من قمر لا يزال يُشعرنا ويحسسنا بأن على هذه الأرض المغربية مسرحاً يستحق أن يستفزنا أكثر مما يدغدع عواطفنا!